بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كم هي رائعة الأجواء الرومانسية الحالمة التي يعيش فيها من تم عقد قرانهم؛ فلا صوت يعلو لديهم فوق صوت انتظارهم اللحظة الحاسمة، التي يضمهم فيها بيت واحد. يتأهبون جيدا لتبادل الشوق بكل ما يخطر على قلب بشر. يخططون بعناية لترتيب عشهم الصغير بأفخم الأثاث؛ حسب ما تملك أيديهم من نقود، وشكل الكوشة، وبطاقة الدعوة، وعدد أدوار التورتة.. كلٌّ معمول حسابه لديهم. ولكن يا تُرى.. هل يفكرون في التخطيط لحياتهم بعد هذه المراسم؟ وفي حال حدوثه هل ينجحون في التنفيذ؟.
"إسلام أون لاين.نت" عرض الأسئلة السابقة على مجموعة من الخبراء المعنيين بالشأن الأسري؛ فأقروا بغياب تخطيط العاقدين لحياتهم الزوجية بعد الزفاف، ووضحوا عوامل هذا الغياب، والكيفية التي يمكن من خلالها لأي عاقدين أن يخططا لحياتهما على أسس سليمة.
غياب آليات التخطيط
يقول الدكتور محسن العرقان، أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: بداية لا بد أن نعترف بأن شبابنا وفتياتنا في معظم البلدان العربية لا يخططون لحياتهم الزوجية لا في فترة العقد ولا في غيرها، ولا أهلهم يدفعونهم إلى ذلك.
ويتابع: إن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها معظم المجتمعات العربية، والمغالاة في المهور، وارتفاع أسعار المساكن، جعلت الزواج يخضع لقاعدة العرض والطلب ومنطق الصفقات، وليس للود والارتياح النفسي؛ ولذا تحدث الخلافات وتتبدل الوعود، وتضيع الخطط التي تم طرحها قبل الزواج -في حال وجودها- بمجرد إتمامه؛ فتظهر المشكلات بداية من اختلاف الطباع، مرورا بالأزمات الاقتصادية وما يتبعها من تنافر؛ لعدم وجود مناخ مناسب للرومانسية والحب.
ويضيف الدكتور العرقان أن التخطيط لما بعد الزواج يقتصر على أبناء الشرائح الغنية، وهم نسبة بسيطة في مجتمعاتنا العربية. أما الشباب من الطبقات المتوسطة والفقيرة فلا يستطيعون التخطيط؛ لعدم توافر الآليات التي تحقق مخططاتهم على أرض الواقع من أموال وإمكانات، فضلا عن حالة الإحباط التي تسيطر على معظمهم؛ فتفقدهم القدرة على أي تصور متفائل للمستقبل.
السينما والأسرة!
وترد الدكتورة هدى زكريا -أستاذة علم الاجتماع بجامعة الزقازيق المصرية- غياب فكرة التخطيط للحياة الزوجية عند الشباب إلى السينما العربية بقولها: إن السينما لعبت دور سلبيا في وضع تصور غريب للزواج؛ حيث جعلت حفل الزفاف هو نهاية المطاف للمتاعب التي تعرض لها الخطيبان طوال أحداث الفيلم، ويصل بله هذا التصور إلى وضع كلمة النهاية على الشاشة بعد الوصول إلى الزفة، في تجاهل واضح لحقيقة أن حفل الزفاف هو بداية حياة زوجية مليئة ومشحونة بالمسئوليات والطموحات والمتاعب والمشكلات، التي تحتاج إلى استخدام العقل دون إغفال دور العاطفة في التغلب عليها.
وتتابع: هذا المناخ الذي جعل من حفل الزفاف نهاية المطاف لمشكلات الحياة الزوجية جعل أكثرية المقدمين على الزواج يركزون في التخطيط لتأثيث منزل الزوجية، أو التخطيط للفرح. أما التخطيط للحياة بعد الزواج فقليلون جدا من يضعونه نصب أعينهم.
ويرجع الدكتور أحمد المجدوب -خبير علم الاجتماع- مشكلة عدم التزام الزوجين بما قاما بالتخطيط له إلى الأسر بقوله: إن بعض الأسر تساهم في عدم التزام أبنائها وبناتها بما اتفقوا عليه مع شركاء حياتهم، فلو اتفق الزوج مع زوجته على السماح لها بتكملة تعليمها، تجد أهله يحرضونه على إرغامها على البقاء في المنزل، وكذا الحال في حالة اتفاقها معه على خروجها للعمل... إلخ.
ويتابع: على الشاب ألا يبدأ حياته الزوجية وهو غارق في الديون؛ لأنها ستؤثر بالسلب على أسلوب حياته مستقبلا، وعلى الفتاة أن تلتزم بالقيم الإسلامية في هذا الشأن؛ حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالتيسير على الشباب، والإسلام أتاح الزواج بآية من القرآن؛ وبالتالي يجب عدم المبالغة من الطرفين في وضع طموحات وخطط مستقبلية يصعب تحقيقها.
آليات للتخطيط
وتطالب الدكتورة هدى زكريا بفتح مكاتب تضم متخصصين في علم النفس والاجتماع والتربية، والاقتصاد لتوجيه المقبلين على الزواج، أو مَن هم في فترة العقد، من خلال دراسة خططهم للمستقبل، والتحقق من إمكانية تنفيذها، أو إدخال بعض التعديلات عليها بهدف تعزيز المساندة المجتمعية للأسرة، خاصة أن السعادة "هشة" وتحتاج إلى سلوكيات وآليات محددة للمحافظة عليها بين الطرفين.
وتضيف أن تحقيق الخطط التي وضعها الطرفان قبل الزواج أمر يتطلب أن تكون مرتكزة على أسس واقعية، فلا يعقل أن يكون الشاب يعمل بالقطاع الخاص، ومن الممكن أن يطرد منه ببساطة، فضلا عن قلة راتبه، وتراه يخطط مع زوجته لعمل أشياء لا تتناسب مع دخلهم المحدود، وبالتالي يفشلان في تحقيق ما خططا له.
وتمضي قائلة: كذلك يجب أن تفكر أسر الفتيات بطريقة عملية؛ لأن الكثير منهم يرهق الشاب ماديا في شراء الأثاث والشبكة وتكاليف الفرح، فيلجأ إلى الاستدانة؛ وبالتالي يتراجع عن خططه ليتفرغ لتسديد ديونه. وتنصح الزوجين بتعلم الادخار ولو بمبالغ قليلة؛ لتساعدهم على الانتقال من مرحلة لأخرى أفضل منها.
اعتبارات مهمة
وتحدد الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية مجموعة من القواعد العامة التي تساعد الزوجين على التخطيط السليم لحياتهما الزوجية منذ فترة العقد تقول فيها:
أولا: يجب على العاقدين عند التخطيط لحياتهما الزوجية الالتزام بإمكاناتهما الفعلية الحقيقية، سواء كانت مادية أم معنوية، ومن الأهمية بمكان إيمانهما المسبق بأن الحياة الزوجية ليست رومانسية وحبا فقط، بل مسئوليات متبادلة، يكون كل طرف فيها في خدمة الآخر، ولديه الاستعداد للتنازل عن بعض الأشياء لتحقيق سعادة الأسرة مجتمعة.
ثانيا: يتعين على الزوجين منذ فترة العقد عدم التخطيط لحياتهما الزوجية على أساس من الاحتمالات التي قد تحدث وقد لا تحدث، مثل اكتشاف الزوجة منذ فترة العقد تعدد العلاقات النسائية لزوجها، وتقرر التكملة معه اعتمادا على التحول المستقبلي لشخصيته، وهذا غير صحيح؛ لأن السمات الشخصية للإنسان ليس من السهولة أو السرعة تحولها، أو أن يخطط الزوج للانتقال للسكن في مكان أرقى بعد فترة معينة؛ لأنه ينتظر فرصة عمل ستدر عليه دخلا مجزيا؛ ماذا يفعل لو لم تأت هذه الفرصة؟.
ثالثا: من المهم جدا للزوجين عند التخطيط للحياة الزوجية الاستفادة من خبرات الأصدقاء المتزوجين، حتى يكون التخطيط واقعيا وقابلا للتنفيذ.